حكاية عمال ميناء نواكشوط المستقل المعروفين بـ "الحمالة"
طويلة مع الظلم والغبن والمعانات ، يتداخل جانبها الإنساني بالقانوني والسياسي ،
في صورة تُجسد آخر بشاعات الإستغلال وأسوأ تمظهر لغياب القانون وحقوق الإنسان ..
قدرُ الحمالة أن يكون مصيرهم بين مطرقة رجال الأعمال الإنتهازيين
بطبعهم وواقعهم وبين سندان نظام قمعي يُساند رجال أعماله الموالين له والقريبين
منه من حيث العصبية والمصالح والسياسة ..!
وليس لهؤلاء الحمالة إلا الله الذي أشرع أبواب جنته أمام من يتساقطون
منهم بشكل موسمي جراء التمزق العضلي الذي طالما أسقط الضحايا في ساحة الميناء دون
أن يتكرم لهم النظام العسكري بحكومته وإدارته حتى بشراء كفنٍ ..
الفصل الجديد القديم في قصة الحمالة هو ما يعتبرونه تردي الأوضاع المعيشية وتنصل الحكومة من كافة
التزاماتها حيالهم ، وسعي الحكومة لتصفيتهم، وابتزازهم بالعمالة الأجنبية ،والقضاء
عليهم بشكل نهائي.
الثالوث الكاذب: ول حدامين ، أماتي منت حمادي، ول احمد دامو
خلال إضراب الحمالة عام 2013 كلفت الدولة لجنة وساطة خاصة بالمفاوضات مع الحمالة ،
يقودها وزير النقل حينها يحي ول حدامين ، ووزيرة الوظيفة العمومية اماتي منت
حمادي، والمستشار الرئاسي ولد احمد دامو ، وقد أبرمت اللجنة اتفاقاً مكتوباً مع
العمال يقضي بتحقيق بعض المطالب التي كانت عنواناً للإضراب في تلك المرحلة ..
لكن المؤسف في الأمر كما يقول العمال أنه بعد
عامين من المراوغة والمماطلة من قبل النظام لم يتحقق أي بند من ذلك الإتفاق، حيث
اتضح أن الهدف من تلك اللجنة هو خديعة الحمالة ، واستغلال جهلهم بالقانون ، وضعفهم
المادي ، دون أدنى مراعاة لتردي ظروفهم الاجتماعية.
مشروع القانون 172 انتصار لرأس المال
واحتقار لجهود العمال !
بعد عامين من المماطلة والإنتظار ، لم يفقد
العمال المينائيون الأمل في النظام والإدارة والحكومة ، معتقدين أن ذرة ضمير أو
أخلاق ستغير الواقع وتطرح معطيات جديدة تأخذ بعين الإعتبار سنوات شقائهم وبؤسهم
وفقرهم المدقع ..
لكن الضربة التي لم تكن متوقعة جاءت من النظام ،
في انحياز صارخٍ وفاضح لثلة من رجال الأعمال المحسوبين اجتماعيا وسياسيا على
النظام ، من خلال إقرار مشروع القانون رقم 172 القاضي بطرد كل من يبلغ عمره خمسين سنة من
الحمالة الذين بذلوا سنوات عمرهم في حمل الأثقال التي هدت قواهم بأسعار زهيدة ، مع
الامتناع عن إعطاء أي ضمانات للمطرودين من العمل حيث لا حقوق ولا تعويض، اللهم إلا
إذا تكرم رجل الأعمال بمحض إرادته وقدم تعويضا للعامل من تلقاء نفسه دون أي ضغط من
الدولة ولا إلزامية من القانون ولا استحقاق من الحمال .!
اضراب الإثنين
دخل العمال أمس الاثنين في إضراب مفتوح له أكثر من مبرر كما يقول
الحمالة ، وذلك نظراً لسياسة التجويع التي تمارسها الدولة على الحمالة منذ أزيد من
عام .
كما يأتي كخطوة استباقية لمشروع القانون المُجحف بحقهم والذي تعتزم
السلطات تطبيقه بداية الشهر ..
بدأ الإضراب بشكل طبيعي خلال الساعات الأولى ، لكن سرعان ما تفاجأ
العمال بالعشرات من سيارات الأمن التي تطوق المكان ، والتي كانت بصدد قمع العمال
وإرغامهم على مباشرة العمل تحت الضغط والإكراه واستخدام القوة ، قبل أن تتدخل
الإدارة التي تقدمت بطلب للحمالة بأن يوقعوا معها هدنة مكتوبة يتم من خلالها تأجيل
الإضراب حتى يوم الخميس في مقابل ذلك تلتزم الإدارة بتوقيف إخراج الحاويات من الميناء
حتى انتهاء الهدنة ، وهو الأمر الذي خرقته الإدارة في نفس اليوم ولا تزال تخترقه
أمام أعين العمال .
آفاق التصعيد
يؤكد الحمالة أن متلزمون بالهدنة التي وقعوها مع إدارة الميناء حتى
ولو كان الطرف الآخر لم يلتزم بها ، إلا أنهم يجددون عزمهم ونيتهم على المضي قدما
من خلال التصعيد والاحتجاج والإعتصام حتى تتحق مطالبهم المشروعة والعادلة وعلى
رأسها إسقاط المشروع رقم 172 .
اتهامات موجهة للحمالة
وفي رد الحمالة على اتهامهم من قبل النظام بجر البلاد نحو العنف ،
يقول اسلمو ولد عبد الله رئيس قسم النقابة المهنية للحمالة : نحن أحرص على الأمن
في هذا الوطن ، لأننا ببساطة هم الأقل حظوة في إيجاد وطن بديل والأضعف وسيلة للعيش
خارجه، بخلاف الكثير من رجال الأعمال ورجال النظام .
0 التعليقات:
إرسال تعليق