لم تكن الديمقراطية الموريتانية محل ترحيب يوماً من
الأيام، لا من طرف الأشقاء العرب الذين أداروا لها ظهورهم في أوقاتها الحرجة
ولحظاتها الذهبية ، ولا حتى من طرف الدول الغربية التي تتشدق بحماية الديمقراطية
في العالم والتي كانت أكثر من اعتدى على حلمنا الديمقراطي المؤود .
فرنسا الوصية على بلادنا منذ الاستقلال وحتى اليوم، صنعت
وضلعت وباركت وغضت الطرف عن عشرات الانقلابات العسكرية في موريتانيا في الفترة ما
بين (1978-2008) .
لكنها لم تستطع أن تدعم ولا حتى أن تغض طرفها عن
ديمقراطية وليدة، بل عملت على إجهاضها ووأدئها في أولى ايامها من خلال دعمها
للجنرال الانقلابي محمد ولد عبد العزيز وإرغام سيدي ولد الشيخ عبد الله أول رئيس
مدني منتخب على الاستقلالة ومغادرة السلطة تحت الضغط والإكراه.
ويبلغ ذلك الدعم الفرنسي لانقلابيي موريتانيا ذروته من
خلال مباركة الاليزيه للمهزلة الانتخابية التي تم تنظيمها يومي 20 – 21 يوينو
الجاري .
المهزلة الانتخابية تم تنظيمها في ظروف يشوبها الكثير من
القلق السياسي والإحتقان الشعبي إزاء الطريقة التي يتم بها تسيير شؤون البلاد والحكم
من قبل نظام عسكري يتستر وراء شعارات محاربة الفساد في حين تؤكد كل المعطيات
والوقائع والحوادث أنه النظام الأكثر فساداً وعبثية وإهداراً للمال العام .
وللرجوع للموضوع الأبرز حالياً والذي هو الإنتخابات
الأحادية في موريتانيا وما شابها من خروقات جلية ، فإنه يمكنني هنا أن أرصد على
عجالة نقاطاً أساسية كفيلة بدحض كل الحجج القائلة بنزاهة وشفافية هذه الانتخابات .
1- حضور
الدولة ومؤسسة الجيش :
من أبسط أبجديات العملية الانتخابية في كل بلدان العالم
أن تكون الدولة متمثلة في إداراتها محايدة وعلى مسافة واحدة من كافة الأطراف
المتنافسة، دون انحياز لأي طرف أو مرشح، وذلك ما لم يتوفر في الانتخابات
الموريتانية الأخيرة .
ولا أعتقد أن الجنرال ولد عبد العزيز نفسه ولا أي فرد من
طاقم حملته الإنتخابية يمكنه أن ينفي تسخير أجهزة الدولة وإدارتها وميزانيتها
وسياراتها ومعداتها وموظفيها لصالح المرشح ولد عبد العزيز .
ولعل نزيف التعيينات الذي شهدته اجتماعات مجلس الوزراء
قبل ثلاثة أشهر من بدء الحملة الانتخابية لهو خير دليل وأصدق شاهد على توظيف وسائل
الدولة واستغلالها من طرف المرشح المنتهية ولايته .
كما أنه لا أحد يمكنه أن ينكر أو يتجاهل عشرات الرحلات
المكوكية التي قام بها عدد من الوزراء ورؤساء المصالح الإدارية وجنرالات الجيش إلى
الولايات والمدن الداخلية من أجل تعبئة المواطنين وترغيبهم وترهيبهم كي يصوتوا لصالح
المرشح محمد ولد عبد العزيز .
2- انحياز اللجنة المستقلة للإنتخابات :
يتجلى انحياز اللجنة
المستقلة للإنتخابات في نقصها لعدد المسجلين على اللائحة الإنتخابية ، حيث سبق
للجنة أن أعلنت عبر الوكالة الرسمية للأنباء يوم 21 مايو 2014 أن عدد الناخبين الموريتانيين
بلغ 1.415.138، وذلك في مقابلة أجرتها الوكالة مع مسؤول الإعلام في اللجنة
المستقلة السيد عبد الله جارا، لتتراجع في وقت لاحق بعد أن شطبت على 86322 ناخبا
من اللائحة الانتخابية ، ليكون العدد النهائي للمسجلين على اللائحة 1.328.138.
ناخباً .
وقد اعتبر مراقبون هذه
القرصنة الإحترافية التي قامت بها اللجنة المستقلة تستهدف تلك الجماهير التي صوتت
لصالح حزبي "التحالف الشعبي" و "تواصل" في الانتخابات البلدية
والنيابية ، والتي ستتأثر بقرار المقاطعة الذي اتخذه الحزبان، مما سيؤثر حتماً على
نسبة المشاركة .
لذلك قررت اللجنة أن تُسقط
عمداً هذا الرقم الصعب، لترفع نسبة المشاركة من 52.98% وفق النتائج الأولى إلى 56.46%
بعد التعديلات الأخيرة .
تزوير ممنهج :
لا يختلف اثنان على صحة الأخبار الواردة من عشرات مكاتب
التصويت في العاصمة نواكشوط وكذا في المدن الداخلية البعيدة عن عيون إعلاميي
نواكشوط وصحافة نقطة ساخنة .
عمليات التزوير التي تمت تحت إشراف اللجنة المستقلة
للإنتخابات تفاوتت من حيث حدتها وبشاعتها من منطقة لأخرى ، ومن عملية لأخرى .
بالنسبة لي شخصياً توصلت
بأسماء عدة أشخاص متوفين قد تم استغلال بطاقاتهم ليصوت بأسمائهم لصالح المرشح محمد
ولد عبد العزيز .
وظاهرة "تصويت
الموتى" هذه قد تأكدت وتكررت في كل من مقاطعة اركيز، ولبراكنه، والنعمه،
وإنشيري ، وبير أم اكرين .
التصويت بالنيابة :
اعتماد النظام في حملته
الداخلية على الوجهاء التقليديين وزعماء القبائل وفر له الكثير من الجهود في هذه
الانتخابات الاستثائية .
فالشارع الموريتاني الغير
مقتنع بالمهزلة الإنتخابية لم يكن ليصوت لولا الضغط الإجتماعي والقبلي والديني
الذي تمت ممارسته بقوة على ساكنة الداخل .
ومع ذلك فإن الكثير من
المسجلين على اللائحة الانتخابية قاطعوا الإنتخابات ولم يذهبوا لمكاتب التصويت يوم
الإقتراع .
وذلك ما دفع بتلك
الزعامات التقليدية والسلطات المحلية إلى التعاون والتمالؤ مع اللجنة المستقلة
للإنتخابات من أجل استغلال أولئك المسجلين على اللائحة والممتنعين عن التصويت،
ليتم التصويت عنهم بالنيابة ، ودون علم منهم أيضاً، لصالح الجنرال ولد عبد العزيز
.
وقد سجلت العشرات من حالة
"التصويت بالنيابة" في عموم التراب الوطني ، ولم تسلم منها حتى مكاتب
التصويت في العاصمة نواكشوط .
3- سير الحملة الإنتخابية :
لم تشهد الحملة
الإنتخابية اي منافسة تذكر، ولم يكن هناك أي وجود في الشارع لـمرشح آخر غير الجنرال
محمد ولد عبد العزيز الذي استأثر بكل شيئ واكتسحت صوره الشوارع والعمارات والأسواق
والمباني الحكومية والإدارية والسيارات الفارهة ، كما أنه حملته حظيت بنسبة 99 في
المائة من الخيم والمقرات في كل أرجاء موريتانيا .
الإعلام العمومي :
كما أن رئيس الهيئة
العليا للسلطات السمعية والبصرية " الهابا" قد اعترف في مؤتمره الصحفي
بأن المرشح محمد ولد عبد العزيز كان أوفر المرشحين حظاً للولوج في الإعلام العمومي
، مما يعني بأن الحصص الإعلامية لم يتم توزيعها بالتساوي بين كافة المرشحين .
-
المؤسسات الإقتصادية :
ساهمت أغلب المؤسسات
الإقتصادية العمومية والخصوصية بقوة ونشاط في الدعاية الإعلامية لصالح المرشح محمد
ولد عبد العزيز بينما تجاهلت بقية المرشحين .
وقد ظهرت علامتها
التجارية في المئات من الصور المكبرة والملصقات على الشوارع الرئيسية .
كما أن بعض هذه المؤسسات
قد أجبرت عمالها على الإنخراط في حملة الجنرال عزيز .
مرافق عمومية :
شاركت بعض الإدارات
والمؤسسات العمومية مشاركة نوعية في الحملة الإنتخابية دعماً للمرشح ولد عبد
العزيز .
وتعتبر شركة
"اسنيم" حائزة على قصب السبق من حيث الضغط على عمالها وتوجيههم ،
والتأثير على خياراتهم الإنتخابية .
تأتي بعدها محكمة الحسابات
التي ألزمت كل طواقمها بإيجار عدد من السيارات لصالح حزب الإتحاد من أجل الجمهورية
الحاكم .
بالإضافة لعدد من المرافق
الأخرى، من بينها وزرات الصحة، والشؤون الإسلامية ، والطاقة، والإذاعة الوطنية ، وروابط
الأئمة والفنانين والأدباء .
4 - أيام الإقتراع
-
تصويت الجيش :
إقحام المؤسسة العسكرية بجميع تشكليلاتها ومكوناتها في
السياسة ليس بالأمر الجديد ، لكن الجديد في الأمر هو اعتبار الجيش برمته مجرد خلية
حزبية داخل الحزب الحاكم .
وليس تخصيص يوم لإقتراع الجيش إلا حماقة من حماقات هذا النظام المشبوه في
كل قراراته وتوصياته، ليتسنى لصقور المؤسسة العسكرية إحكام السيطرة على صناديق
الإقتراع كي لا تتسرب بطاقة عن الجنرال الإنقلابي محمد ولد عبد العزيز، خاصة وأن
أغلب تلك المكاتب كانت خالية من المراقبين ، ومن ممثلي بقية المرشحين .
وتعتبر حادثة أمن الطرق التي تسربت في الأيام الأخيرة دليل ساطع على انحياز
المؤسسة العسكرية بشكل صريح وعلني لصالح مرشحها .
فأفراد أمن الطرق البالغ عددهم 90 شخصاً الذين صوتوا ضد الجنرال ولد عبد
العزيز ، لم يسلموا من معاقبة قائد كتيبتهم الجنرال مسغارو ، الذي فتح تحقيقاً
مبكراً لمعرفة أصحاب البطاقات التسعين .
وفور معرفتهم تم تحويلهم إلى مدينة روصو ليقضوا هناك 45 يوما من التدريبات
الشاقة، مع تسجيل ملاحظات سلبية في سجلاتهم المهنية تحرمهم من الترقية والإمتيازات
في المستقبل .
0 التعليقات:
إرسال تعليق