نظمت الهيئة الوطنية للمحامين صباح اليوم ندوة قانونية تحت عنوان "دولة
القانون الواقع والتحديات"
..
الندوة التي تم تنظيمها في فندق وصال حضرها لفيف من السياسيين والقانونيين
والحقوقيين وقادة الرأي .
وكانت البداية مع نقيب المحامين احمد سالم ولد بوحبيني الذي دق ناقوس الخطر
في ما آلت إليه دولة المؤسسات في هذا الظرف الإستثنائي محملا الجميع المسؤولية ..
خطاب نقيب المحامين، الأستاذ أحمد سالم ولد بوحبيني
بسم الله الرحمن والرحيم،
إخوتي الزملاء الأفاضل، السادة المدعوون الأكارم،
لا يسعني، في مستهل هذه الندوة، إلا أن أشكر – باسم الهيئة الوطنية للمحامين-
كلَّ الذين شرّفونا بحضورهم لفعالياتِـها، وكلَّ من سيساهمون في إثراء النقاشات التي
ستدورُ خلالها.
بادئ ذي بدءٍ، فإن دولة القانون يمكن تعريفها بأنها نظام مؤسسي تكون فيه القوة
العمومية خاضعة للقانون. إنها دولة تكون فيها النظم القانونية مرتبة تدريجيا بصفة تحد
من قوتها. وفي هذا النمط فإن كل قاعدة تستمد مفعوليتها من مدى تطابقها مع القواعد التي
تفوقها مرتبة. وإن نظاما من هذا القبيل يفترض مساواة الناس أمام النظم القضائية مع
وجود قضاء مستقل. وتعد دولة القانون اليوم أهم ما يميز الأنظمة الديمقراطية.
فدولة القانون هي دولة المؤسسات التي يكون فيها فصلُ السلطات واقعا ملموسا معيشا،
وليس مجرد وَهــْـــم..
لا أحسب أن أحدا بإمكانه أن يتصور أنه بمقدورنا بناء دولة تحترم نفسها ويحترمها
الآخرون، إلا إذا ساد القانون، فكان السيفَ المُـسَـلــَّــــط َعلى الـــظالم أيا
كان، والحضنَ الرؤوفَ بالمظلوم أيا كان.
فالشعوب والدول التي تقدمت، لم تتقدم إلا باحترام القانون. والدول التي عاشت
على وقع الأزمات لم تكن لتعيشها لولا غياب القانون. ليست الحروب الأهلية إلا ردة فعل
على انعدام العمل الديمقراطي بمعناه الشفاف... أيها الإخوة الأكارم،
إننا نمر منذ فترة بظروف صعبة، تتميز بغياب تام لاحترام القوانين؛ بحيث أصبحت
البلاد تعيش وضعا أشبه ما يكون بالتعسف الذي ترعاه السلطات؛ مما قد ينجرُّ عنه احتقان
يـُـخشى من أن يؤديَّ إلى هزات فظيعة. رغم ذلك، فكلنا مسؤولون عن ما آلت إليه أوضاع
القانون في بلادنا.
أيها الحضور الكريم،
لقد أصرت هيئة المحامين على التذكير المستمر بأن القانونَ (ووحده القانون) بإمكانه
أن يعيد سفينة البلاد إلى برِّ الأمان. وأوضحت الهيئة أن الخروج من المأزق لن يتسنى
إلا ببناء دولة القانون. وكم هـُــمْ مخطئون من يظنون أن تحذيراتنا وصرخاتنا كانت موجهة
ضد أي شخص بذاته أو أية جماعة بذاتها. ولـَــئِــن اصطدمنا بالسلطة مرات عديدة ففقط
لأن "كل فرد يملك السلطة يكون محمولا على إساءة استعمالها". ولأننا نعتقد
أن "السلطة تعد بمثابة عدو للحرية مهما كان شأن التنظيم الديمقراطي الحاضنِ لها".
ولأننا نعلم كلـُّـنا أن بلادنا سُجـّـل عليها - أكثر من مرة- قصورٌ فى الوفاء بالالتزامات
الدولية فى مجال حقوق الانسان. وانطلاقا من ذلك فمن العادي أن تكون الدولة نقيضا لنا،
ولا يمكن أن يـُـنتظر منا إلا أن نصارعَـها من أجل خلق جو يسود فيه القانون، ليس إلا.
ومن هنا، فإننا نؤكد أننا سوف نظل نواجه السلطة، نتـتـبَّع خروقاتِـها، نفضحُ
تجاوزاتِـها، ونندد بتصرفاتها الخارجة عن القانون إلى أن تسير على الدرب القويم، لأن
ما هي عليه الآن لا يمكن السكوت عليه؛ فيحدث تارة أن قرارات قاضي التحقيق تسمو على
قرارات المحكمة العليا التي ألغتها كما وقع مع قضية الكفالة في ملف الخطوط الجوية الموريتانية،
وإنه لأمر لا يحدث في دولة قانون. كما يستحيل في هذه البلاد تنفيذ حكم قضائي على مصلحة
حكومية أو شخص محمي، الأمر الذي لا يمكن أن يقع في دولة قانون. أما السجون فوضعها مزرٍ
ويسود فيها التعذيب، فكان لابد من أن يموت نزلاءٌ كي تفهم السلطة أننا لم نكن نمزح
عندما قلنا مرارا بأنه ثمة ممارسة للتعذيب الذي يُعتبر معاملة مرفوضة تحرمها كل القوانين
والمواثيق الدولية، وأنه لا يمارس في دولة القانون. وإن وجود سجون مجهولة المكان، لا
يزورها المحامون، ولا ذوو المعتقلين (كما هو شأن السلفيين) يناقض نص القانون، ولا يحدث
إطلاقا في دولة قانون. كما أن وجود برلمان يعمل خارج القانون منذ أكثر من سنة مسألة
لا تحدث في دولة القانون.
أيتها النــُّــخـَـبُ الموريتانية،
لابد أنكم تدركون أن تخلفنا عن ركب الدول التي تقدمت باحترام مساطرها القانونية
مسألة تظل غير منطقية. فهذا البلد يمتلك كل محفزات ووسائل النجاح: شواطئُ غنية، أرضٌ
يعج باطنــُــها بكل أنواع المعادن الثمينة، وكوادرُ أكفاءٌ مُـتــَــــفـنــِّـــنون
في شتى المجالات. لم يبق إذن إلا أن يسود القانون وأن يفهم الحاكمون أن الشعب والثروة
ليسا ملكا لهم، وأن عليهم أن يتوددوا للشعب بدل أن يتطاولوا عليه، وأن يُـبـَــرِّروا
له بدل أن يحتقروه، وأن يأخذوا رأيـَـه بدل أن يُـقصوه، وأن يحموهُ بدل أن يتسلــَّــطوا
عليه. إن عليهم أن يفهموا أن عهد الدوس على كرامة الناس، وخرق حقوق الإنسان، وسوء التسيير،
والإفراط في القمع، وتكميم الأفواه، واستخدام القوة العمومية من أجل تصفية الحسابات،
قد ولــّـى لغير رجعة. وإن على القضاء، تحاشيا للانزلاق نحو المجهول، أن يتوقف عن الاستخفاف
بتظلمات المواطنين، وأن يتعامل بجدية وصدق مع كل الملفات الحساسة بما فيها الشكاوى
التي تتقدم بها المنظمات المناهضة للرق.
إن سيادة القانون هي وحدها الضامن لتحريك عجلة التنمية. ولن يكون من المجدي
أبدا – في ظل واقع لا يسود فيه القانون- أن نــُـــنشئ منطقة تجارية حرة في نواذيبو
ما لم يتم القيام بإصلاحات جذرية على مستوى العدالة يؤخذ فيها برأي المحامين والمختصين.
كما أن جلب الاستثمارات الضرورية للعملية التنموية سيظل ضربا من العبث ما لم تتوفر
البلاد على الشروط المُـطــَـمْــئِــنة للمستثمرين كسيادة القانون واستقلال القضاء.
أيها الجمع الموقر،
من كل ما سبق نستشف أن دولة القانون لا وجود لها هنا، وأن القضاء غير مستقل،
وأن حقوق الدفاع مهدورة، وأنه من واجبنا التنبيه إلى ذلك بما يتطلبه الأمر من صرامة
وجديــّــة ومصارحة. . إننا اليوم لفي أمس الحاجة إلى أن يكون قضاؤنا مستقلا فعليا،
وأن تكون أملاك المواطن آمنة من جور الاستفزازات، وأن تكون كرامة الأشخاص فوق كل اعتبار،
وأن تكون حقوقُ الانسان جزءً من ثوابتنا القانونية.
وإننا من هذا المنبر ندعو كل القوى الحية، وكل أصحاب النوايا الحسنة، إلى الضغط
بشتى الوسائل المشروعة من أجل فرض دولة القانون التي لا يمكن تصور حل لأزماتنا البنيوية
دونها.
إن علينا – إن كنا نؤمن بمستقبل خالٍ من الهزات - أن نتدارك الموقف بما يلزم
من حنكةٍ وحكمة في سبيل بناء دولة تحترم حريةَ أبنائـِـها وترعى مصالحَهم وتحمي كرامتــَـــهم،
تلك الدولة التي تحترم مساطرَها القانونية ويتساوى الجميعُ فيها أمام القانون دون تمييز
في اللون والعرق والانتماء. وبكلمة واحدة، فقد حان الوقت لتضافر الجهود من أجل بناء
دولة القانون.
0 التعليقات:
إرسال تعليق